

كيف نجح تيم كوك في إقناع ترامب بإعفاء منتجات آبل من الرسوم الجمركية
في خضم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وجدت شركة آبل نفسها مهددة برسوم جمركية مرتفعة على منتجاتها المصنّعة في الصين. هذه الرسوم التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب كانت ستشمل أجهزة مثل الآيفون والماك وغيرها، مما كان سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعارها على المستهلكين . لكن الرئيس التنفيذي لآبل تيم كوك تمكن بشكل لافت من تجنيب شركته وطأة هذه التعريفات؛ إذ أقنع ترامب بإعفاء بعض منتجات آبل من تلك الرسوم. فكيف نجح كوك في ذلك؟ في هذا المقال، نستعرض العوامل الرئيسية التي ساعدت تيم كوك على تحقيق هذا الإعفاء، بما فيها ذكاؤه الاستراتيجي وأسلوب تواصله مع ترامب، وتركيزه على الوظائف داخل أمريكا، بالإضافة إلى ثقل آبل في الاقتصاد الأمريكي.
إذا أردت النسخة المختصرة للمقال مرر لأسفل المقال
الاستراتيجية الذكية لتيم كوك
اتبع تيم كوك نهجًا استراتيجيًا هادئًا ومن خلف الكواليس للتعامل مع أزمة الرسوم الجمركية. بدلاً من مهاجمة سياسات ترامب علنًا كما فعل بعض مدراء الشركات الآخرين، حرص كوك على تجنب الانتقاد العلني وفضل التواصل المباشر بهدوء مع الإدارة . هذا التكتيك الاستراتيجي جنّبه استفزاز الرئيس، الذي عُرف بحساسيته للنقد العلني. ووفق تقارير صحفية، أجرى كوك اتصالًا مباشرًا مع وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك لشرح التأثير السلبي المحتمل للرسوم على أسعار هواتف آيفون ، كما تواصل مع كبار مسؤولي البيت الأبيض لنفس الغرض.
ومن الخطوات الذكية الأخرى لكوك تجنب عزل آبل عن المصلحة الوطنية. فعلى سبيل المثال، خلال ولاية ترامب الأولى، أقنع كوك الرئيس بأن فرض رسوم على منتجات آبل سيمنح منافستها الكورية سامسونج أفضلية غير عادلة في السوق . لقد اختار كوك حجة يفهمها ترامب جيدًا: المنافسة العادلة. هذه الحجة الاستراتيجية أثّرت في ترامب الذي لا يرغب برؤية شركة أمريكية رائدة تخسر أمام منافس أجنبي بسبب سياساته التجارية . وبالفعل، أشاد ترامب نفسه لاحقًا بأنه “ساعد تيم كوك مؤخرًا” في مسألة الرسوم ، مما يدل على نجاح مساعي كوك خلف الأضواء.
يجدر بالذكر أيضًا أن كوك لم يتردد في استخدام أدوات التأثير التقليدية لكسب ود الإدارة. فقد كان ضمن كبار التنفيذيين الذين تبرعوا بمبالغ تتجاوز مليون دولار لصندوق حفل تنصيب ترامب . هذه البادرة دعمت العلاقة الإيجابية بينه وبين الرئيس وأعطت انطباعًا بأنه شريك متعاون، وليس خصمًا سياسياً. من الواضح أن ذكاء كوك الاستراتيجي تجلّى في قدرته على قراءة شخصية ترامب وتوجهاته، وتقديم الحلول والمبررات بشكل يتوافق مع مصالح الإدارة الأمريكية، وفي الوقت نفسه يحمي مصالح آبل.
أسلوب التواصل الفعّال مع ترامب
إلى جانب التخطيط الاستراتيجي، اعتمد تيم كوك على أسلوب تواصل شخصي وفعّال مع دونالد ترامب. فقد سعى إلى بناء علاقة شخصية مباشرة مع الرئيس، بعيدًا عن الوساطات. حضر كوك اجتماعات خاصة وموائد عشاء فردية مع ترامب خلال فترته الرئاسية ، وتحدث معه وجهًا لوجه حول مخاوفه ووجهة نظره. هذا التواصل المباشر ترك انطباعًا إيجابيًا لدى ترامب. ففي أحد اللقاءات الخاصة، أثنى ترامب على مبادرة كوك بالاجتماع به مباشرة “دون وسطاء” معربًا عن احترامه لهذا النهج . من الواضح أن كوك أدرك أن ترامب يُقدِّر التعامل الشخصي المباشر، فحرص على أن يكون هو نفسه رسول رسائل آبل بدل أن يترك المهمة لممثّلين أو جماعات ضغط.
كما تميز أسلوب كوك بالهدوء والواقعية في الطرح. فهو لم يلجأ للشكوى أو التذمر العلني عندما واجهت شركته تهديد الرسوم؛ بل قدم الحقائق والأرقام للإدارة بنبرة موضوعية. ووصف ويلبر روس (وزير التجارة الأمريكي السابق) تيم كوك بأنه يتمتع باحترام واسع في البيت الأبيض لأنه “لا يشتكي علنًا، بل يعرض الحقائق بصوت واقعي” . هذا النهج أكسبه مصداقية وجعله صوتًا مسموعًا لدى صناع القرار. فبدلاً من الضغط عبر الإعلام، اختار كوك القنوات الهادئة للتأثير، مما جعله مستشارًا موثوقًا في نظر الرئيس. وحين يرى ترامب أن كوك لا يحاول إحراجه إعلاميًا بل يسعى لحل المشكلات مباشرة، يصبح أكثر استعدادًا للتعاون معه. وقد أثمر هذا التواصل الفعال عن نتائج ملموسة، حيث نال كوك استجابة غير اعتيادية تمثلت في إعفاء منتجات آبل الرئيسية من الرسوم الجمركية المقترحة.
التركيز على الوظائف داخل أمريكا
عاملٌ أساسي آخر استعان به تيم كوك في إقناع ترامب هو التشديد على الوظائف الأمريكية ودور آبل في خلق فرص العمل. يعرف كوك أن خلق الوظائف كان شعارًا محوريًا لسياسات ترامب الاقتصادية. لذا حرص على إبراز مساهمة آبل الكبيرة في سوق العمل الأمريكي. وقد صرح كوك علنًا: “أنا أهتم كثيرًا بخلق الوظائف، وأعتقد أن الرئيس يهتم بها أيضًا” ، في إشارة إلى الهدف المشترك بين آبل وإدارة ترامب في توفير فرص عمل للأمريكيين.
وتدعم الأرقام مصداقية حديث كوك؛ فشركة آبل نفسها تعتبر من أكبر مولّدي الوظائف في الولايات المتحدة، حيث تقدّر بأنها مسؤولة عن توفير حوالي مليوني فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في جميع الولايات . يشمل ذلك عشرات الآلاف من موظفي آبل، ومئات الآلاف لدى مورّديها الأمريكيين، وأكثر من مليون وظيفة في اقتصاد التطبيقات المرتبط بمنتجاتها . هذه الأرقام تعني أن نجاح آبل لا يعود بالفائدة على مساهميها فحسب، بل ينعكس على شرائح واسعة من العمال والأعمال الصغيرة في أمريكا. وقد شدّد كوك في حواراته مع ترامب على أن أي ضرر يلحق بآبل بسبب الرسوم قد يهدد هذه الوظائف والنمو الاقتصادي المرتبط بالشركة.
إلى جانب ذلك، سلط كوك الضوء على استثمارات آبل الضخمة داخل الولايات المتحدة وخططها للتوسّع محليًا. على سبيل المثال، أعلنت الشركة عن خطط لاستثمار ما يقارب 500 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال السنوات القادمة ، بما في ذلك إنشاء مرافق تصنيع وتقنيات حديثة في ولايات مثل تكساس. وقد بدأت آبل بالفعل تصنيع بعض أجهزتها المتخصصة داخل أمريكا (مثل تجميع حواسب ماك برو في تكساس) استجابةً لدعوات الإدارة لتحفيز الصناعة المحلية. هذه التحركات أظهرت لترامب أن آبل شريك في تعزيز الاقتصاد الأمريكي وليست مجرد مستفيد من العولمة. وبالتالي، إقناع ترامب بإعفاء منتجات آبل من الرسوم لم يكن لحماية شركة تقنية فحسب، بل للحفاظ على آلاف الوظائف الحالية والمستقبلية التي تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر على آبل في الولايات المتحدة.
تأثير آبل على الاقتصاد الأمريكي
لم يغفل تيم كوك أيضًا الإشارة إلى الثقل الاقتصادي الهائل لشركة آبل كعامل ضغط ضمني لصالح طلب إعفاء الرسوم. فآبل ليست مجرد شركة تقنية؛ إنها واحدة من أعمدة الاقتصاد الأمريكي الحديث. تبلغ قيمة آبل السوقية تريليونات الدولارات، وهي الشركة الأكثر قيمة في العالم في أوقات كثيرة، مما يعني أن أي اهتزاز في أعمالها قد ينعكس فورًا على الأسواق المالية وثقة المستثمرين. وبالفعل، عندما تصاعدت مخاوف الرسوم الجمركية، شهدت أسهم آبل انخفاضًا ملموسًا وصل إلى نحو 20% من قيمتها . هذا التراجع لم يؤثر على ثروة الشركة ومساهميها فقط، بل مسّ مؤشرات البورصة نظرًا لحجم آبل وتأثيرها. ولكن ما إن تم الإعلان عن إعفاء منتجاتها من الرسوم حتى استعادت الأسهم جزءًا من عافيتها . هذا المثال يوضح كيف أن الحفاظ على استقرار آبل يصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي ككل.
إضافة إلى ذلك، فإن إعفاء منتجات آبل الرئيسية من الرسوم الجمركية لم يفد آبل وحدها، بل جاء كمنفعة للاقتصاد الأوسع. فقد منحت هذه الخطوة متنفسًا أيضًا لشركات تكنولوجيا أمريكية أخرى تنتج منتجات إلكترونية في الصين مثل HP وديل، التي كانت ستتضرر بدورها من الرسوم . أي أن قرار ترامب بإعفاء الإلكترونيات الاستهلاكية صب في مصلحة قطاع تقني كامل يعتمد على سلاسل توريد عالمية. ربما حرص كوك على تبيان هذه الصورة الأكبر للإدارة، مفادها أن استثناء آبل يساعد في الواقع العديد من الشركات الأمريكية ويحمي القدرة الشرائية للمستهلك الأمريكي، وبالتالي يدعم الاقتصاد الوطني بشكل عام.
ولا ننسى أن آبل تُعتبر رمزًا للابتكار الأمريكي ونجاح وادي السيليكون عالميًا. فمن مصلحة الإدارة الأمريكية أن تحافظ هذه الشركة الرائدة على زخمها دون عوائق تعرقل ابتكاراتها أو تقلص أرباحها التي تُستثمر في تطوير منتجات جديدة. لذلك، كان من المنطقي اقتصاديًا تفادي فرض رسوم قد تضر شركة بحجم وتأثير آبل. لقد نجح تيم كوك في إيصال رسالة مفادها أن ما هو جيد لآبل يمكن أن يكون جيدًا لأمريكا أيضًا، وأن ضرب آبل بالرسوم قد يعني ضربًا لقطاع التكنولوجيا الأمريكي والاقتصاد ككل.
الخلاصة
في النهاية، استطاع تيم كوك أن يحمي آبل من شرارة الحرب التجارية عبر مزيج من الحنكة والكياسة في التعامل مع إدارة ترامب. استخدم كوك ذكاءه الاستراتيجي لتقديم الحجج المقنعة (مثل قضية منافسة سامسونج) في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب ، وبنى علاقة شخصية إيجابية مع الرئيس قائمة على الاحترام والتواصل المباشر. كما ركز على أرضية مشتركة تجمعه بترامب وهي أهمية الوظائف والاقتصاد الأمريكي، مؤكدًا أن ازدهار آبل يساهم في ازدهار أمريكا نفسها . هذا النهج الشامل أثمر عن انتصار لكوك وآبل في معركة التعريفات، وأصبح مثالًا تحتذي به شركات أخرى تواجه ظروفًا مشابهة. باختصار، نجح تيم كوك في تحويل التهديد إلى فرصة، وحافظ على استمرار ابتكار آبل ونموها دون أن يدفع المستهلك ثمن الحرب التجارية بشكل مباشر، محققًا بذلك معادلة نادرة توازن بين مصلحة الشركة والمصلحة الوطنية.
النسخة المختصرة:
في ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، واجهت آبل خطر فرض رسوم جمركية مرتفعة على أجهزتها المصنوعة في الصين.
تيم كوك، الرئيس التنفيذي لآبل، استطاع بدهاء أن يقنع الرئيس دونالد ترامب بإعفاء بعض منتجات الشركة من هذه الرسوم.
١. استراتيجية هادئة وذكية
-
تجنب كوك النقد العلني لسياسات ترامب، مفضلاً التواصل الهادئ والمباشر مع كبار المسؤولين.
-
طرح فكرة أن الرسوم ستمنح سامسونج الكورية ميزة غير عادلة، وهو ما أثار انتباه ترامب.
-
دعم موقفه عبر التبرع لصندوق حفل تنصيب ترامب، مما عزز علاقته بالإدارة.
-
٢. بناء علاقة شخصية مع ترامب
-
التقى كوك ترامب وجهًا لوجه، مما ترك انطباعًا إيجابيًا قوّى الثقة بينهما.
-
اعتمد على الحقائق والأرقام في حديثه، متجنبًا الأسلوب العاطفي أو الهجومي.
-
أصبح يُنظر إليه كشريك هادئ يقدم حلولًا بدلاً من الاعتراض.
٣. التركيز على الوظائف والاستثمارات
-
أبرز مساهمة آبل في دعم مليوني وظيفة أمريكية، وهو أمر يتماشى مع أولويات ترامب.
-
أعلن عن خطط لاستثمار 500 مليار دولار داخل أمريكا، مما عزز صورة آبل كشركة وطنية مسؤولة.
-
نقل تصنيع بعض المنتجات مثل الماك برو إلى داخل الولايات المتحدة.
٤. إبراز أهمية آبل للاقتصاد الأمريكي
-
أوضح كوك أن تراجع آبل سيؤثر على الأسواق المالية وثقة المستثمرين.
-
بين أن حماية آبل تصب في مصلحة قطاع التكنولوجيا والاقتصاد الأمريكي ككل.
-
جعل الإدارة تدرك أن ضرر آبل سيكون ضررًا للوطنية الأمريكية والابتكار العالمي.