دائمًا ما يبحث العلماء عن علامات للحياة في الفضاء الخارجي، كمحاولات لإيجاد ملجأ بديل إذا ما تداعت الحياة على سطح الأرض، ولعل أحد أهم مواضع البحث من ذلك الجانب، هو البحث عن مصدر الحياة الأساسي -الماء- على سطح القمر.
كان حدس علماء الفضاء والجيولوجيا ينبئ بوجود الماء القمري متخفيًا بين الجنبات أو داخل الشقوق والحفر الكثيرة على سطح القمر، وجرت استكشافات وبعثات فضائية عدة لتأكيد ذلك الحدس، سنتناولها جميعًا في مقالنا اليوم عن قصص اكتشاف وجود الماء على سطح القمر، ومدى أهمية مثل ذلك الاكتشاف؟
ما الذي أوحى للعلماء باحتمالية وجود الماء على سطح القمر؟
في عام 1645 عندما نشر عالم الفضاء الألماني مايكل فان المخطط الأول لسطح القمر، ذُهل العلماء من الأخاديد والحفر الكبيرة والواسعة التي تملأ السطح الجاف في كل مكان، وأطلق العالم الألماني على هذه الأحاديث اسم ماريا Maria والذي يعني باللاتينية البحار، وذلك اعتقادًا منه أن مياهًا كثيرة كانت تشغل تلك الحفر في السابق، ثم اكتشف العلماء فيما بعد بالطبع أن هذه الأخاديد والحفر ما هي إلا فوهات لبراكين وُجدت على سطح القمر في السابق، ولكن الاسم "Maria" والإيمان بفكرة وجود الماء على سطح القمر باقيًا.
تذبذب العلماء حول فكرة وجود الماء على سطح القمر
مر اكتشاف الماء على سطح القمر برحلته الخاصة من الشك إلى اليقين، ففي عام 1992 نشر عالم الفضاء ويليام بيكرينج دراساته عن القمر مؤكدًا أنه لا وجود لغلاف جوي أو سماء في الفضاء، مما جعل العلماء يتراجعون عن الفكرة، ولكن ومع فهم طبيعة المواد المتبخرة Volatiles عند درجات حرارة منخفضة في بداية الستينات، نشر عالم الفيزياء كينيث واتسون ورقة بحثية موضحًا فيها كيف يمكن لسائل كالماء أن يتواجد على سطح القمر، مؤكدًا أن الفكرة بحد ذاتها ليست مستحيلة، وذلك لأن المناطق المظلمة على سطح القمر -والتي لا يصل إليها ضوء الشمس- تستطيع أن تخبئ الماء المتجمد تحت فوهتها، وسميت هذه الفوهات بالمناطق دائمة الظل permanently shadowed region".
ولكن وخلال بعثة أبولو الشهيرة إلى الفضاء كانت عينات التربة التي أخذها العلماء من القمر خالية تمامًا من أثر للسائل الأبيض مما جعل الرأي النهائي لكثيرًا من رواد الفضاء أن سطح القمر جاف ويخلو تمامًا من الماء أو الحياة وظل ذلك الاقتناع لسنوات طويلة بعد ذلك.
ما الذي أعاد فكرة وجود الماء إلى الساحة العلمية؟
في عام 1988 أرسلت ناسا بعثة كليمنتن Clementine إلى الفضاء، والمتمثلة في مركبة فضائية تدور حول القمر لمدة شهرين، لالتقاط الصور وتجميع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول التربة والمعادن المتواجدة على سطح القمر، والتقطت المركبة الفضائية صورًا تُشير إلى كمية كبيرة من الهيدروجين في تلك المناطق المظلمة التي ذكرناها في السابق، مما يعني احتمالية وجود مياه مجمدة خلف هذه الفوهات، ولكن الصور لم تكن واضحة كدليل قاطع يمكن الاعتماد فيما يخص وجود الماء على سطح القمر.
وبناءً على ذلك، وبعد تطور التقنيات في عام 2008، ألقى علماء من جامعة براون نظرة أخرى على العينات التي جاءت بها بعثة أبوللو في السابق، وبالفعل تواجد الهيدروجين بكميات كافية في التربة القمرية، وبما أن هذا الزجاج البركاني يعني أن الماء على سطح القمر قد تواجد منذ زمن بعيد، زمنًا كان للقمر فيه شكلًا وخصائص أخرى في بداية تكوينه، وخروج هذه المياه من فوهات البراكين، يعني وجودها بعمق داخل لب القمر، أي أن المياه قد تكون مكون أساسي ليس فقط على سطح القمر ولكن في لبه البركاني وتكوينه العميق.
العلامات الأولى لوجود الماء على سطح القمر
استمرت بعثة شاندريان الهندية إلى الفضاء -والتي تعد أول رحلة فضاء عميقة وطويلة للهند- لمدة عام من الدوران في المدار القمري، ثم تصادم المكوك بالقمر في نهاية الرحلة لتجميع عينات من تربة سطح القمر، وكانت هذه العينات بمساعدة تقنيات ناسا ومن أهمها خريطة ناسا لمعادن القمر (Moon Minerology Mapper)، هي ما ساهم بشدة في اكتشاف وجود الماء على سطح القمر.
فقد استطاع العلماء من خلال ما جاءت به البعثة الهندية وبعثات ناسا الاخرى Cassini و Deep Impact اكتشاف وجود هيدرات في تربة القمر المعرضة لضوء الشمس، لم يدرك العلماء حينها بشكل قاطع إذا ما كانت هذه الهيدرات تعود لوجود الماء أو مجموعات الهيدروكسيل، كما تساءل العلماء ما إذا كان هذا الماء تتغير كميته خلال اليوم من خلال التبخير والتجميد.
حاولت روسيا خلال هذه الفترة وبعد آخر رحلة لها منذ 47 عامًا وقت الاتحاد السوفيتي، أن تحط بمركبتها الفضائية على سطح القمر، ولكن رحلاتها كانت تبوء بالفشل في كل مرة، وكان آخر هذه الرحلات غير الموفقة هي رحلة Luna-25 spacecraft في شهر أغسطس الفائت، والتي فشلت جراء عطل في لوحات التحكم، وكان من المفترض أن تقوم هذه الرحلة بالتغلب على رواد الفضاء في الهند وناسا في استكشاف الجزء الجنوبي من القمر، والذي لازال غامضًا ومجهولًا للعلماء حتى الآن.
أول إعلان رسمي لوجود الماء على سطح القمر
في عام 2020 أصدرت وكالة ناسا بيانًا رسميًا باكتشاف وجود الماء على سطح القمر، وذلك من خلال البيانات التي قدمتها هيئة علوم التنجيم والملاحظة التابعة للوكالة (Strategic Observatory for Infrared Astronomy)، وكشفت البيانات -ولأول مرة- وجود ما يُعادل 350 مليلتر من الماء داخل متر مربع في إحدى الحفر الرئيسية الموجودة على سطح القمر والمُعرضة لضوء الشمس، مما يعني أن ماء القمر لا يقتصر فقط على ذلك الماء المتجمد خلف فوهات البراكين، بل إنه إحدى مكونات التربة القمرية.
أهمية دراسة وجود الماء على سطح القمر
تحاول ناسا لعقود محاولة العثور على علامات للحياة في الفضاء الفسيح خارج كوكب الأرض، ولذلك الأمر أسباب عدة من أهمها محاولة العثور على موارد بشرية يمكن للإنسان أن يتكئ عليها إذا ما اضطرته الظروف على كوكب الأرض -وما يمكن أن تسببه الحروب من فقدان للموارد البشرية الأساسية- إلى ترك كوكبنا المُهدد بالزوال والعثور على كوكب آخر.
إن اكتشاف وجود الماء على سطح القمر قد أعاد لعلماء الفضاء في ناسا الأمل في إنشاء أول محطة فضاء خارج الأرض وعلى سطح القمر، خاصةً بعد اكتشاف وجود المياه في المناطق المعرضة لضوء الشمس أيضًا، وليس فقط في الفوهات البركانية المظلمة.
ذو صلة
أبل والريادة في الحفاظ على البيئة: ما الذي يجب أن تعرفه؟
استعد لها من الآن .. أهم 10 اتجاهات للذكاء الاصطناعي في 2024
"قصص غير مروية عن Apple: من المرآب إلى الشعار
بالإضافة إلى ذلك فإن الماء على سطح القمر قد يُستخدم كوقود ولإمداد رواد الفضاء بما يلزمهم في رحلاتهم الفضائية الطويلة المستقبلية، مثل استكشاف المريخ والكواكب البعيدة الأخرى، لذلك فإن الماء على سطح القمر يُعد أمرًا حيويًا لتحقيق ذلك الأمر.
لازالت الجهود تبذل في سبيل اكتشاف طبيعة التربة القمرية عن كثب، وتحليل ما بها من معادن وموارد قد تمهد لحياة محتملة لنا نحن البشر على سطح القمر، إذا ما اضطرتنا الكوارث العالمية والحروب إلى ذلك، وكان آخر هذه الجهود هو رحلة Candryaan-3 التي صدرت من الهند في نهاية أغسطس الماضي، والتي من المقرر أن تكشف لنا الكثير عن طبيعة ذلك الماء المدفون على سطح القمر، وهل من الممكن أن يفتح لنا آفاقًا جديدة فيما يخص حياة الإنسان خارج كوكب الأرض؟
المصدر: موقع آراجيك