نظرة عن كثب على تقنيات عربة «بيرسيفيرانس» الجوالة التي حطّت على سطح المريخ
25/02/2021 - معلومات عامة - 781
عندما أطلقت ناسا عربتها الجوالة بيرسيفيرانس نحو الكوكب الأحمر في شهر يوليو/حزيران من العام المنصرم بعد عدة تأخيرات، كانت مليئة بالتكنولوجيا القديمة والحديثة والمهجنة والثورية المُحمّلة على متن صاروخ «أطلس V» القوي الذي دفع المركبة عبر طبقات مختلفة من غلاف الأرض الجوي إلى الفضاء السحيق. اليوم، حطّت العربة الجوالة على سطح الكوكب الأحمر في مناورةٍ وصفتها ناسا بـ«7 دقائق من الرعب». لتبدأ مسيرةً من البحث لسبر أغوارِ ما قد يكون وطننا القادم، أو بشكلٍ أقل، مستعمرتنا القادمة.
عربة بيرسيفيرانس.. خليط من تقنيات حديثة وتحديثات لتقنيات قديمة
القديم في عربة بيرسيفيرانس هو نسخة مقوّاة بالإشعاع لمعالج «IBM PowerPC» الذي صممته شركتا موتورولا و «آي بي إم»، والذي يُستخدم بشكل أساسي في الأقمار الصناعية وإلكترونيات الطيران. يتمتع بشكل أساسي بقوة شريحة «بنتيوم 1» التي صدرت حوالي عام 1992، وستكون مسؤولة عن التعامل مع بنية إلكترونيات الطيران بالكامل للمركبة التي تم تصميمها وبرمجتها بواسطة مختبر الدفع النفاث التابع لناسا.
قال «ريتشارد ريبر»، مهندس أنظمة الطيران في مختبر الدفع النفاث المرتبط بالمشروع: “كلما اقتربت من حزم الترانزستورات الخاصة بك، كلما أصبحت أكثر عرضةً للإشعاع، ومع أجهزة فضائية، فأنت بحاجة إلى موثوقية عالية، وقد قام كمبيوتر RAD750 ببضع مئات من المهام في الفضاء”.
سيعمل كمبيوتر «RDA750» القديم جنباً إلى جنب مع سلسلة من أجهزة الكمبيوتر ذات مصفوفة البوابة القابلة للبرمجة (FPGA) للتحكم في أشياء مثل مجموعة القيادة والعجلات والتعليق والكاميرات على العربة الجوالة بيرسيفيرانس مثل كمبيوتر «FPGA»، و كمبيوتر «Virtex-5»، القديم نسبياً كذلك من حيث التكنولوجيا، ولكن سيتم استخدامه لدخول المركبة في المدار وهبوطها على سطح المريخ. بمجرد هبوط العربة الجوالة، ستتم إعادة برمجة هذا الكمبيوتر بأوامر مُرسلة من الأرض بواسطة مهندسي ناسا لإجراء معالجة بصرية للتنقل.
تتضمن بعض الجوانب الأحدث من مستكشف الفضاء الروبوتيّ هذا الذي يزيد وزنه عن 998 كيلوغراماً استخدام التعلم الآلي ومعالجة الصور المدارية التي أُجريت هنا على الأرض قبل أشهر من الإطلاق لفحص كل صخرة، ورُكناً لمشاهد الهبوط المقترحة لتحديد موقع يمكن للمركبة أن تنزل فيه بأمان على سطح الكوكب.
يوضح ريبر في هذا الشأن: “أحد الأشياء التي فعلناها في وقت مبكر جداً هو إجراء دراسة مفصّلة للغاية عن إمكانية مسح جميع مواقع الهبوط وعلّمنا خوارزميةً كيفية عدّ الصخور”.
كجزء من هذه الدراسة السابقة للهبوط، استخدم فريق مختبر الدفع النفاث وعلماء آخرون أيضاً صوراً وبرامج محاكاة لفحص خرائط التضاريس، وحساب الارتفاعات والمنحدرات، ثم طوروا نموذج «مونتِ كارلو» المكون من 5000 نقطة هبوط محتملة، والتي أخذت في الاعتبار جميع العوامل الممكنة وعدم اليقين بهدف واحد؛ منع العربة الجوالة من السقوط بشكل مسطح على وجهها الرقمي عند الهبوط على المريخ.
إحدى الميزات الجديدة المهمة جداً في «بيرسيفيرانس» هي الترقية في سرعة الوحدة، والتي لها تأثير كبير على استقلاليتها وقدرات التنقل التلقائي (AutoNav). إذ يمكن أن تمشي العربة خمس مرات أسرع من «كيوريوسيتي»، العربة الجوالة الأخيرة التي انتهت مهمّتها على المريخ.
ونظراً لاستقلاليتها الآلية الأكثر كفاءة، سيستطيع العلماء جمع المزيد من المعلومات المحيطية عن التضاريس حيث تشق المركبة طريقها إلى أعلى التلال حيث لا تُعرف بالضبط ما هي العقبات الموجودة على الجانب الآخر. والنتيجة هي أنه يتم جمع المزيد من البيانات ومعالجتها مرة أخرى على الأرض لاتخاذ قرارات أفضل بشأن المضي قدماً وتجنب المشكلات التي قد تعطل المسبار.
تُعدّ هذه الاستقلالية الآلية المتسارعة أمراً مهماً لأن الأوامر التي تُخبر العربة بما يجب القيام به يتم إرسالها مرة واحدة في كل يوم شمسي مريخي (سول)، والذي يزيد بما يقارب الـ 39 دقيقة من يوم الأرض. يتم إرسال هذه الأوامر من وإلى العربة الجوالة عبر شبكة «Deep Space»، ويتم نقلها عبر هوائي على «Mars Reconnaissance Orbiter»، وهي كاميرا مدارية عالية الدقة تم إطلاقها عام 2005 في مدار المريخ. إذ أنّ القرارات بشأن المكان الذي يجب أن تذهب إليه العربة الجوالة تستند جزئياً إلى ما شهدته في اليوم السابق من حيث صعوبات التضاريس.
مكاناً لإطلالة أفضل
تعد الكاميرات المتعددة الموجودة في أحدث عربة جوالة ترقيات جديدة أيضاً لوحدات «B&W CCD» ذات دقة الواحد ميجابكسل المستخدمة في عربة «أوبرتونيتي» السابقة، والتي تم إطلاقها في 2011 وتوقفت عن العمل أوائل عام 2018 عندما منعت عاصفة ترابية هائلة الألواح الشمسية من إعادة شحن البطاريات الموجودة على متنها.
وكاميرات «بيرسيفيرانس» عبارة عن مستشعرات «CMOS» بالألوان الكاملة بدقة 20 ميجابكسل، ومجهّزة بعدسات ذات مجال رؤية أفقي 90 درجة، ويمكنها بسهولة تحديد نطاق التضاريس دون الحاجة إلى قلب عمود الكاميرا.
ستتم معالجة الصور التي تم جمعها بواسطة كاميرات المركبة الجوالة على الفور بواسطة أداة «Virtex-5 FPGA» نفسها التي تم استخدامها لتوجيه العربة للهبوط الآمن على المريخ قبل إعادة برمجتها. يمكن لهذا الكمبيوتر معالجة صور الاستريو في حوالي 1.5 ثانية، مقارنة بـ 180 ثانية أو أكثر مع معالج «بنتيوم 1 الأساسي».
والنتيجة النهائية لجميع الكاميرات عالية الدقة التي تعمل جنباً إلى جنب مع كمبيوتر «Virtex-5» السريع نسبياً هي أنه يمكن التقاط الصور والخضوع لبعض المعالجة أثناء تحرك العربة الجوالة أثناء قيام العلماء بشكل أساسي بـ “قيادتها”. وهذا أمر ثوري إلى حد ما بالنسبة لعربات الكواكب، لأن ما كانت تفعله سابقاً هو أن تمشي متراً، تلتقط صورة، وتحولها إلى خريطة، وتختار مجال المشي التالي، ثم القيادة، ثم الصورة، ثم المعالجة، ثم والقيادة، ثم الصورة، ثم المعالجة، وهكذا دواليك..
لن تكتمل أي رحلة، حتى لو كانت رحلة بين الكواكب، بدون مرافقة. من أجل عربة «بيرسيفيرانس»، يوجد مروحية آلية تسمى «Ingenuity» سيتم فصلها عن العربة بعد فترة وجيزة من هبوطها على سطح المريخ لاستكشاف طرق القيادة ومواقع الهبوط لبعثات المريخ المستقبلية. ستطير الطائرة بدون طيار بشكل مستقل من تسعة إلى أكثر بقليل من 30 قدماً فوق السطح كجزء من تشغيل تجريبي لاختبار أدائها في الغلاف الجوي الرقيق نسبياً للمريخ. سوف تطير ما يصل إلى خمس مرات خلال فترة اختبار مدتها 30 يوماً، وتغطي ما يقرب من 300 متر في كل رحلة، وستكون قادرةً على التواصل مع العربة أثناء قيامها بذلك.
البحث بعمق عن إجابات
تعد قدرة «بيرسيفيرانس» على التجول بسهولة على سطح المريخ وجمع الصور التفصيلية جانباً رئيسياً من جوانب مشروع استكشاف المريخ طويل المدى التابع لوكالة ناسا والذي سيعتمد في البداية على الأنظمة الروبوتية ليس فقط لرسم خرائط للسطح ولكن أيضاً لجمع عينات أساسية من الصخور والتربة أيضاً.
تم تجهيز العربة الجوالة بحفّار خاص يمكنه اختراق سطح المريخ لجمع هذه العينات، والتي يتم نقلها بعد ذلك إلى “ذاكرة تخزين مؤقت” فريدة يمكن إغلاقها واسترداد ما فيها لاحقاً بواسطة مهمة مريخية مستقبلية لنقلها مرة أخرى إلى الأرض لتحليلها.
والهدف ليس فقط تقديم لمحة عن ماضي المريخ وتحديد الحياة الميكروبية المحتملة، ولكن أيضاً البحث عن المناطق الصالحة للحياة التي قد تكون مثالية للمختبرات وأماكن المعيشة حيث قد يعمل العلماء والمستعمرون يوماً ما في الموقع.
في حين يمكن لكاميرات «بيرسيفيرانس» وأجهزة الكمبيوتر الموجودة على متنها القيام ببعض أعمال المعالجة المسبقة، سيتم إرسال الجزء الأكبر من البيانات التي تم جمعها بواسطة المسبار إلى الأرض عبر كاميرا «Mars Reconnaissance Orbiter» وشبكة «Deep Space» إلى خوادم وأنظمة مختبر الدفع النفاث.
بمجرد استلام البيانات في مختبر الدفع النفاث، سيتم معالجتها من قبل العلماء والمهندسين للتخطيط بشكل أساسي لسفر العربة ومسار العمل في اليوم التالي، كما يقول «جيمس كوريان»، مدير أنظمة البيانات الأرضية في مختبر الدفع النفاث: “نقوم بتشغيل عمليات المحاكاة والتحليل ثم نرسل هذا كحزمة ثنائية عبر شبكة Deep Space، ومركبة الترحيل، ثم إلى العربة الجوالة حيث سنبدأ العملية برمتها مرة أخرى”.
يضيف «جاي بيرزاك»، نائب مدير نظام البيانات الأرضية في مختبر الدفع النفاث: “علينا القيام بالكثير من العمل بشكل أسرع كثيراً”. يتضمن هذا أولاً الحصول على المعلومات الأولية التي تنقلها العربة الجوالة من المريخ، كما يوضح: “وهي بصراحة مجموعة من الخطوط المتعرجة، ورسائل التحذير، ورسائل الخطأ أو النجاح، وتحويل ذلك إلى شيء يمكننا النظر إليه لفهم ما يحدث”. بعد ذلك، يأخذ البرنامج في مختبر الدفع النفاث هذا، بالإضافة إلى جميع الصور الفوتوغرافية التي التقطتها العربة الجوالة، ودمجها في مشهدٍ متكامل.
يتم بعد ذلك دمج هذه الصور تراكبياً على شبكة ثلاثية الأبعاد تتضمن مجموعة من المعلومات التي تم جمعها ومعالجتها من مناطق ذات صلة من السطح لتوفير تمثيل ثلاثي الأبعاد تقريباً. يقول «بيرزاك»: “لا يمكنك فقط رؤية صورة وتخمين مدى بُعد الأشياء، ولكن يمكنك في الواقع تدويرها والنظر إليها كصورة VR [الواقع الافتراضي] على جهاز الكمبيوتر الخاص بك”.
يجب تحليل جميع المعلومات المعالجة والمدمجة من قبل الباحثين والعلماء في مختبر الدفع النفاث في مواقع في فرنسا والنرويج والساحل الشرقي للولايات المتحدة في غضون ساعة تقريباً لتحديد ما إذا كانت العربة الجوالة في حالة مستقرة أم في مشكلة، ثم تقديم هذه المعلومات بسرعة للمهندسين الذين يقررون ما إذا كان من المقبول للمركبة المضي قدماً في المهام الموكلة إليها.
فيما يتعلق بتطبيق التعلم الآلي على المهمة المريخية هذه تحديداً، وحتى المهام السابقة، تكمن المشكلة في أن الآلات، أو بشكل أكثر دقة البرنامج، لا تزال في المرحلة الأولى من التعلّم، على الرغم من حجم البيانات التي يتم جمعها وتحليلها. يقول بيرزاك: “نجرب استخدام بعض أشكال التعلم الآلي في بعض الأشياء، ولكن معظم هذه الأنظمة هي في الواقع جديدة تماماً. وينطبق الأمر على الأنظمة التي نستخدمها بالفعل. قد تقول إننا ما زلنا نبني جسراً بسبب طبيعة المهمة”.
تماماً كما هو الحال في الزواج، فأنت لا تعرف على وجه اليقين ما إذا كانت الأمور ستنجح عندما تبدأ للتو في رحلتك. يقول بيرزاك: “نحن ذاهبون إلى مكان جديد”. “الأجهزة نفسها تتفاعل مع التضاريس والعديد من خوارزميات التعلم الآلي التي لدينا الآن تفترض نوعاً ما مستوى معيناً من التباين المفهوم. لكن لسوء الحظ، لا نفهم كيفية التضاريس، ولا المكان الذي نهبط فيه، وكيف يعمل هذا النظام المتكامل جيداً بما يكفي للاستفادة حقاً من التعلم الآلي في وقتٍ مبكر”.
- اقرأ أيضاً: كل ما تود معرفته عن مشروع “ذا لاين” في نيوم.. مدينة عربية مستقبلية متطورة بلا سيارات وشوارع
مشغل الفيديو
المصدر: