تنتشر الأخبار الكاذبة بين الناس على منصات التواصل الاجتماعي بكميات كبيرة وسرعة عالية. سهولة مشاركة أي شيء من قِبل أي حساب في تلك المنصات ووصوله لجمهور كبير جداً، أدى لانتشار الأفكار والمعتقدات الخاطئة بكثرة. ولعلّ أحدث الأمثلة هي الأخبار الكاذبة التي انتشرت خلال أزمة وباء فيروس كورونا، والتي سببت انتشار الرعب غير الضروري بين الناس، فرأينا التدافع الذي حصل لشراء المواد الطبية مثل الأقنعة والمعقمات بشكل مفرط والذي أدى لفقدانها من الأسواق؛ الأمر الذي أثر سلباً على العاملين في المجال الطبي لحاجتهم الملّحة لها. كما أن منصات التواصل الاجتماعي تواجه مؤخراً سيلاً عارماً من الأخبار الزائفة
لماذا يصدّق الناس الأخبار الكاذبة؟
انجذابنا للأخبار المضللة ليس أمراً مفاجئاً في الحقيقة. عقولنا تحب أن تصدق الأمور التي تتناسب مع معتقداتنا حتى ولو كانت كاذبة. بالإضافة لذلك، فإننا نصدق الأخبار التي نرى أعداد الناس الذين شاركوها كبيرة، لأن كثرة مشاركة الخبر تخلق شعوراً وهمياً بالتأكيد على صحة الخبر.
يقول العلماء بأنه توجد هناك أنواع من الفيروسات تضعف مناعة الشخص ضدها عند تعرضه لهجمات عديدة ومتكررة منها. وهذا بالضبط ما يحدث أثناء تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، فعند تكرار رؤية الأخبار الكاذبة نفسها باستمرار يميل الدماغ لتقبلها ولو كانت منافية للمنطق.
يعتبر كبار السن واليافعين والأشخاص الذين لا يمتلكون ثقافة عالية هم أكثر الفئات عرضة للتأثر بالأخبار الزائفة المنتشرة عبر الإنترنت. تميل تلك الفئات لتقبل القصص الخادعة لأنهم يربطونها بنظرياتهم الخاطئة في الأساس مما يولد عندهم شعوراً قوياً بمصداقية تلك القصص، وبالتالي إعادة نشرها عبر الإنترنت.
طرق انتشار الأخبار الزائفة
تعتمد خوارزمية وسائل التواصل الاجتماعي في إظهار المنشورات عند تصفحها على عدد الإعجابات والتصويتات. بالإضافة لمنشورات الصفحات والأشخاص الذين نتابعهم فإننا سنرى أيضاً منشورات يكون التفاعل عليها كبيراً.
هذه التصويتات والإعجابات يمكن تزييفها بسهولة عن طريق استخدام الذباب الإلكتروني؛ والذباب الإلكتروني هو مصطلح يعبر عن حسابات آلية تديرها حواسيب مبرمجة لاستهداف منشورات معينة من أجل زيادة التفاعل عليها وبالتالي انتشارها بسرعة. تستثمر العديد من الجهات في الذباب الإلكتروني لنشر الأخبار الكاذبة التي تخدم مصلحة تلك الجهات. ولكن عادةً يمكن كشف الحسابات الآلية بسهولة بسبب عدم وجود منشورات قديمة فيها.
الاتحاد الأوروبي ينضم للحرب ضد الأخبار الكاذبة
أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة للاتحاد الأوروبي، ثاني أكبر انتخابات ديموقراطية في العالم. شنت روسيا حملة كبيرة من الأخبار الكاذبة التي استهدفت نشر المعلومات المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد صرّح الاتحاد الأوروبي عن ظهور 600 صفحة ومجموعة فيس بوك قبل أيام من بدء الانتخابات البرلمانية الأوروبية. هذه المجموعات والصفحات ولّدت لوحدها ما يقارب من 763 مليون مشاهدة للأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية التي تقوم بنشره.
وبالرغم من أن فيس بوك وتويتر وجوجل وقّعوا في عام 2018 على “Code of Practice on Disinformation” مع الاتحاد الأوروبي، والذي يهدف لمحاربة الأخبار الزائفة، إلا أن المجهود الذي تم بذله غير كافي أبدأ، بحسب تصريحات المسؤولين. كما صرح الاتحاد الأوروبي بأن الشركات أحرزت تقدماً في بعض جهودها لمكافحة الأخبار الكاذبة، مثل التعاقد مع فرق للتحقق من المعلومات وتشديد القيود على الإعلانات السياسية. لكن المسؤولين الأوروبيين أضافوا أنهم يتوقعون أن ترفع الشركات من جهودها لمحاربة الأخبار الزائفة.
العرب لم يتخذوا موقف الحياد أيضاً
لعلّك، كقارئ عربي، تخيلّت تماماً وأنت تقرأ هذا المقال كمَّ الأخبار الكاذبة الكبير والتي تنتشر عبر الصفحات والمجموعات العربية على وسائل التواصل الاجتماعي. ولربما ظننت أننا كعرب أبعد ما يمكن عن القيام بمحاربة انتشارها كما فعلت كُبرى الدول؛ إلا أنه يسعدني إخبارك أن هذا الأمر غير صحيح. فيوجد بالفعل مبادرات عربية حقيقية وكبيرة تهدف لمحاربة الأخبار الزائفة في العالم العربي. هذه المبادرات أسسها شباب يسعى لجعل المحتوى في الوطن العربي خالياً من التزييف تماماً، بل ونافست أكبر المبادرات العالمية أيضاً. نذكر من أهم هذه المبادرات:
- فتبينوا: إن “فتبينوا” منصة مستقلّة متخصصّة في مجال التّحقّق من الأخبار، انطلقت عام 2014 على شكل صفحة على فيس بوك ثم تطوّرت بعد ذلك باستمرار، واليوم تعتبر من المنصّات الرائدة عربياً في هذا المجال. وقد فازت مبادرة “فتبينوا” في عام 2019 بالمركز الأول على مستوى العالم في المسابقة العالمية للتحقق من الأخبار الكاذبة. التي تنظّمها الشبكة العالمية للتحقق INTERNATIONAL FACT-CHECKING NETWORK متقدمة على شبكات عالمية مثل BBC البريطانية. كما تعاونت شركة فيس بوك بشكل رسمي مع “فتبينوا” لمكافحة الأخبار الكاذبة في الشرق الأوسط.
- ده بجد؟: تعتبر مبادرة “ده بجد؟” من أولى المبادرات العربية للتحقق من الحقائق حيث بدأت عام 2013، وهي مبنية بشكل كامل على شباب متطوعين يسعون حسب وصفهم لمكافحة الأخبار الكاذبة باللغة العامية بحيث تكون مفهومة ومبسطة بالنسبة لكافة الناس.
كيف تحصّن نفسك من الأخبار الكاذبة؟
اكتشاف الأخبار الكاذبة يعدّ أمراً سهل التحقيق في غالب الأحيان. فبدايةً عليك بالطبع التحقق من مصدر الخبر وإن تبين أنه كاذب لا تعيد نشره على حساباتك في وسائل التواصل الاجتماعي. وحاول أن تتابع الحسابات الموثوقة أكثر وأن تبتعد عن أي حسابات أخرى في الحصول على المعلومات.
واستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بمسؤولية أكبر، وذلك عن طريق التبليغ الفوري عن المنشورات أو الحسابات التي تحتوي معلومات غير صحيحة ومن بين خيارات الإبلاغ اختر “معلومات مضللة”. تتيح منصات التواصل بالفعل خيارات عديدة للمستخدم من أجل منع انتشار الأخبار الكاذبة وتقليل رؤيتها في الحساب الشخصي.
ماذا يحمل المستقبل؟
يسعى المستفيدون من تلك الأخبار الكاذبة لتطوير وسائل أخرى لنشر الخداع عبر الإنترنت، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي الذي سوف يسمح للمخترقين بتكوين حسابات شبه حقيقية لا تختلف عن الحسابات التي يمتلكها البشر ونشر الأخبار الكاذبة من خلالها. ليس هذا وحسب، بل أصبح باستطاعة الذكاء الاصطناعي إنتاج الوسائط المتعددة المزيفة كلياً مثل فيديو التزييف العميق -تقنية تعتمد على إنشاء مقاطع فيديو تبدو حقيقية تماماً ولكنها مزيفة- والتي تتمكن من خداع الناس بسهولة أكبر، ويصعب كشفها.
لذلك يجب علينا أن نتطور أكثر لنكون مستعدين لمواجهة هجمات الذباب الإلكتروني المستقبلية. وبالمثل يجب علينا أن نطور خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتتحقق من الأخبار الكاذبة وتنشر الحقيقة. وأيضاً يجب حثّ الناس على البحث بأنفسهم عن مصدر أي شيء يرونه في منصات التواصل الاجتماعي.
لن تختفي الأخبار الكاذبة من حياتنا بالتأكيد، ولكن يجب علينا العمل دائماً من أجل محاربتها، وتوسيع الأبحاث لفهم آلية انتشارها عبر منصات التواصل الاجتماعي. وإنشاء الأدوات اللازمة لمحاربتها، حتى نتمكن من حدها وتقليل ضررها مستقبلاً.
المصدر: