خصوصية المستخدمين في المقام الأول دائمًا، ولكن في الأزمات العالمية هناك استثنائات!

20/04/2020 - معلومات عامة - 558
خصوصية المستخدمين في المقام الأول دائمًا، ولكن في الأزمات العالمية هناك استثنائات!

تعتبر أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد وتحوّله إلى وباء عالمي الخبر الأهم ومصدر القلق الأول على مستوى العالم ككل، حيث اجتاح الغالبية العظمى من دول العالم مع عدد إصابات ووفيات مخيف جدًا، وبالطبع هذا الأمر استدعى استنفار جميع الجهود العالمية على كافة المستويات والاختصاصات للخروج بحلول وتطبيقات وأدوات تحد من انتشار وتفشي الفيروس حتى يتم السيطرة عليه وعلاجه.

ولعل أحد أهم الحلول والاقتراحات التي ظهرت هي موضوع مراقبة وتعقب مواقع انتشار الفيروس والمصابين به وتحركاتهم، وذلك باستخدام المعلومات الشخصية الموجودة على هواتفهم المحمولة وتطبيقاتهم الموجودة في الهاتف كنظام تحديد الموقع أو تطبيقات التواصل الاجتماعي أو حتى شريحة الاتصال الموجودة في الهاتف، حيث يتم جمع هذه المعلومات عن المستخدم ومراقبته، وتحذير الأشخاص المحيطين به، وتحديد الأماكن التي قام بزيارتها والتي من المحتمل أنه نقل العدوى إليها.

وبالفعل قامت العديد من الدول بتطبيق هذه الإجراءات فعليًا، مثل كوريا الجنوبية والصين، والبعض الآخر يعمل على تقنيات مماثلة.

قد يبدو هذا الأمر عمليًا ومفيدًا للوهلة الأولى، لكنه يطرح مخاوف كبيرة وقلق الكثير من المستخدمين والأشخاص، لأن جمع مثل هذه المعلومات عن الأشخاص دون موافقتهم أو علمهم يعتبر خرقًا واضحًا لخصوصية الأفراد وحريتهم، ويطرح مشاكل تتعلق بأمن معلومات المستخدمين وإمكانية تسربها وإساءة استخدامها.

سنحاول مناقشة هذا الأمر في هذا المقال وعرض المخاوف المختلفة من هذه التقنيات.

ما هو تعريف خصوصية البيانات؟

خصوصيتنا في أوقات الأزمات

خصوصية البيانات هي حق المستخدم بمعرفة المعلومات التي يتم جمعها عنه، والاطلاع على كيفية جمعها وما الغاية من جمع هذه المعلومات الشخصية والتأكد من استخدامها للغرض المحدد، حيث تطلب معظم مواقع التواصل الاجتماعي أو التطبيقات معلومات عن المستخدم قبل السماح له باستخدامها، تشمل هذه المعلومات معلومات عامة عن المستخدم كالاسم والعنوان ورقم الهاتف، وقد تصل إلى معلومات حساسة تتعلق بالحسابات البنكية وأرقام الضمان الصحي وغيرها من المعلومات التي تخص الأشخاص ولا ينبغي مشاركتها مع الآخرين.

وأيضًا بالإضافة إلى ذلك معرفة السياسة المتبعة من الموقع أو التطبيق لحفظ سرية هذه المعلومات وضمان سلامتها وعدم تسربها وإساءة استخدامها من جهات مختلفة، بحيث يشعر المستخدم بالحرية والأمان للمعلومات التي قام بمشاركتها وتم حفظها في المخدمات التابعة لإدارة الموقع أو التطبيق الذي قام باستخدامه.

كيف يمكن الاستفادة من معلومات المستخدمين في تتبع الفيروس؟

خصوصيتنا في أوقات الأزمات

تحتفظ معظم شركات الاتصالات والشركات التي تملك تطبيقات الإنترنت المختلفة بنسخ عن معلومات وبيانات المستخدمين الذين يستعملون الشبكة الخلوية أو التطبيقات، هذه المعلومات تتعلق بأسماء المستخدمين وعناوينهم وحتى مواقع تحركاتهم.

ويتم تحديث هذه المعلومات بشكل مستمر كلما قام الشخص باستخدام التطبيق في الأماكن التي يتحرك بها، يملك فيسبوك أو تطبيق الخرائط الخاص بجوحل صلاحية الوصول إلى مواقع المستخدمين ففي أي مكان يقوم المستخدم به باستخدام هذه التطبيقات فإن التطبيق يخزن معلومات الموقع، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من التطبيقات في الهاتف المحمول والتي نستعملها بشكل روتيني.

ومن هنا جاءت الفكرة لاستخدام هذه البيانات الخاصة بمواقع المستخدمين لتعقّب الإصابات بالفيروس ومنع الانتشار، حيث تطلب الحكومة أو مسؤولو الرعاية الصحية من أصحاب المواقع والتطبيقات نسخ حديثة عن معلومات المرضى الذين تم تشخيصهم بالإصابة بالفيروس، ويتم من خلال هذه المعلومات تتبّع ورصد الأماكن التي كان بها المستخدم والأشخاص الذين خالطهم أو كان قريبًا منهم وذلك باستخدام تطبيقات مصممة خصيصًا لهذه الغاية، وبالتالي تحديد هؤلاء الأشخاص وتحذيرهم وإجراء الفحوصات الطبية والعزل الوقائي إن لزم الأمر.

لماذا القلق والتخوف من جمع وتعقب معلومات المستخدمين؟

يطرح موضوع تعقب وجمع معلومات المستخدمين من قبل جهات حكومية كمسؤولي الصحة أو جهات خاصة مخاوف كثيرة متعلقة بخصوصية معلومات المستخدمين، حيث تعتبر هذه المعلومات ذات قيمة كبيرة ومؤثرة على الأفراد والمجتمع.

 

حيث أن وجود مؤسسة أو شركة حكومية أو خاصة قادرة على التخزين والوصول لمعلومات معظم المواطنين ومواقعهم وأماكن عملهم والأشخاص المحيطين بهم يجعل منها مؤسسة أو شركة مراقبة ورصد عملاقة تملك قاعدة معلومات ضخمة عن المستخدمين، وهنا تظهر المخاوف التي تتمحور حول كيفية استخدام هذه الجهات لهذه البيانات وأمانها لديهم، وتتلخص أبرز المخاوف فيما يلي:

  • تعقب المواطنين ومعرفة تحركاتهم بدقة

قد لا يقتصر موضوع تعقب المستخدمين وبيانات المواقع الخاصة بهم على المصابين بالفيروس فقط، بل من الممكن أن يتعدّى ذلك وأن تقوم الجهات التي تملك الوصول للمعلومات بشكل مخالف بتعقّب المواطنين جميعهم أو مستخدم بعينه، بحيث تكشف التحرّكات والنشاطات اليومية والمحيط الاجتماعي الخاص بالأشخاص دون علمهم وموافقتهم، ومن ثم تسرب هذه المعلومات أو تستخدمها للسيطرة والتأثير على المستخدمين أو ملاحقتهم وتهديد أمنهم وسلامتهم بل وحتى ابتزازهم في قضايا معينة تتعلق بهم.

  • عدم الوثوق بالجهة المالكة لهذه البيانات

وجود هذا الكم الهائل والمهم جدًا من المعلومات الخاصة بالمستخدمين يجعل الجهة التي تحتفظ بهذه المعلومات هدفًا للقرصنة والاختراق، حيث ستسعى العديد من الجهات داخل البلد نفسه أو حتى خارجه للحصول على أكبر قدر ممكن من هذه المعلومات بأي طريقة ممكنة للاستفادة منها بأشياء قد تكون ضارة ومؤذية، كالحصول على ارقام حسابات بنكية ومواقع شخصيات مهمة وغيرها.

وبالتالي فإن خطر حدوث أي خرق أو تسرب لهذه المعلومات من الجهات التي تقوم بحفظها يعتبر هاجسًا مخيفًا للجميع.

هل يجب علينا التنازل عن بعض الأولويات في زمن الأزمات؟

يعتبر العديد من الخبراء التقنيين وحتى المستخدمين العاديين موضوع تخزين وتجميع ورصد مواقع المستخدمين لتعقب الإصابات وعزلها وتجنب انتشار الفيروس شرًا لا بد منه.

حيث أننا نعتبر في أوضاع استثنائية وليست عادية، وفي سباق دائم مع الفيروس الذي ينتشر بشكل أسرع من قدرة الدول والقطاع الصحي على كشفه وإجراء الفحوص الخاصة به، لذلك يعتبر التعقب ورصد مواقع تواجد المصابين والأشخاص المحتمل إصاباتهم وعزلهم خطوة متقدمة وتسابق الزمن وتساهم في كبح الانتشار.

وأيضًا هناك رأي أخر يقول بأننا ضحينا أساسًا بخصوصيتنا بشكل مسبق عند موافقتنا على استعمال وسائل وتطبيقات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الأخرى، حيث تستخدم الجهات المالكة لهذه التطبيقات معلومات المستخدمين وتوظفها لعرض الإعلانات عليهم وبيع المنتجات.

لذا قد يبدو من المنطقي في ظل الظروف الراهنة التخلي عن بعض الخصوصية كنوع من التضحية الفردية لإنقاذ المجتمع ككل، حيث أن هذه الخطوة قد تكون منافعها أكبر من ضررها حاليًا.

حلول بديلة أكثر أمانًا

خصوصيتنا في أوقات الأزمات

في ظل الصراع والخلاف حول الخصوصية ومعلومات المستخدمين وأمانها، وهل سيسمح للحكومات الوصول لمثل هكذا معلومات؟ برزت على الساحة عدد من الحلول التي قد تشكل بدائل أكثر أمانًا وبنفس الفعّالية تقريبًا لموضوع الرصد وتعقب مواقع المصابين.

أحد هذه الحلول هو ما طورته مجموعة من الباحثين والمطورين في المملكة المتحدة، حيث قاموا بتصميم تطبيق خاص بالفيروس يتم تحميله على الهاتف المحمول من قبل المواطنين، ويقوم مبدأ عمل التطبيق على التطوع بشكل إرادي من قبل المصابين والذين تم تشخيصهم بالإصابة بالفيروس، حيث يقوم هؤلاء بشكل تطوعي وإرادي بمشاركة معلوماتهم الخاصة بموقعهم وأماكن تواجدهم بشكل سرّي لا يكشف هويتهم مع بقية المستخدمين، وبذلك يصبح كل مستخدم لهذا التطبيق قادرًا على معرفة أماكن الإصابات القريبة منه وإذا كان على تماس معها، وبالتالي يستطيع تجنب هذه الأماكن وتجنب العدوى.

وهناك حل آخر تعمل على تطويره كل من شركة غوغل وآبل يعتمد هذا الحل على استخدام تقنية البلوتوث الموجودة في كل الأجهزة الذكية، يقوم الجهاز بشكل تلقائي بتسجل موجات البلوتوث الخاصة بالأجهزة التي تكون قريبة منه ويقوم بحفظها، أي أن كل جهاز يملك قاعدة بيانات عن الأجهزة التي كانت قريبة منه عبر موجات البلوتوث، ويتم تجميع هذه البيانات من كل الأجهزة وتخزينها عند مسؤولي الرعاية الصحية.

وعندما تسجل إصابة بالفيروس عند أحد المستخدمين تقوم الجهات الصحية بمراجعة قاعدة البيانات وتستطيع أن تعرف من كان قريبًا من هذا الشخص من خلال موجات وبيانات البلوتوث المخزنة لديها، فهنا يتم إعلام كل المستخدمين الذين كانوا على تماس مع المصاب بوجود مخالطة له، ومن ثم يتم اتخاذ الإجراءات الصحية المناسبة لدى الأشخاص المخالطين.

تتميز هذه الطريقة بأنها فعالة ولا تكشف معلومات كبيرة خاصة بالمستخدم كالمواقع والتحركات، بل تعتمد على موجات البلوتوث المشفرة بدون كشف هوية المصاب.

وفي النهاية يمكننا القول بأن الظروف الاستثنائية قد تتطلب حلولًا استثنائية قد لا تريح الجميع، وسيبقى موضوع الخصوصية مثيرًا للجدل والمخاوف حتى الوصول إلى حلول وتقنيات أمثل وأكثر أمانًا.

 

المصدر: أراجيك

558 0 0

اضغط هنا واحصل على اخر العروض والمنتجات